منذ العصور القديمة، كان خسوف القمر يشغل اهتمام الإنسان، وقد ارتبط هذا الظاهرة بأساطير كثيرة، فقد كان يُنظر إليه كعلامة على الشؤم أو كدليل على تغييرات كونية مدهشة، ومع التقدم العلمي، أصبح حالياً ظاهرة فلكية يُمكن التنبؤ بمواعيدها بدقة وفهم أساسياتها من خلال الأبحاث العلمية، ولم تعد مرتبطة بالخرافات، بل أصبحت جزءًا من المعرفة الفلكية الحديثة.
يحدث الخسوف عندما تقع الأرض بين الشمس والقمر مما يمنع أشعة الشمس من reaching القمر كليًا أو جزئيًا، وبما أن القمر يعتمد على ضوء الشمس، فإن مروره في ظل الأرض يؤدي إلى تغييرات في لونه، حيث يبدو حينها مظلمًا أو مائلًا إلى اللون الأحمر، ولا يتحقق خسوف القمر إلا عندما يكون بدراً كاملاً أي في منتصف الشهر القمري.
تقسم أنواع الخسوف إلى ثلاثة أنواع رئيسية، أولها الخسوف الكلي، حيث يدخل القمر بالكامل في ظل الأرض، وهو ما يؤدي إلى تلوّنه بلون أحمر قاتم المعروف أيضاً بـ”قمر الدم”، أما الخسوف الجزئي، فيغطي جزء من القمر فقط مما يجعل بعضه مضيئًا والآخر مظلمًا، بينما الخسوف شبه الظلي يحدث عندما يمر القمر عبر منطقة شبه الظل مما يجعله يبدو باهتًا، وغالبًا ما لا يلاحظه إلا القليل من المراقبين.
عند حدوث خسوف كلي، تخترق أشعة الشمس الغلاف الجوي للأرض قبل وصولها إلى سطح القمر، حيث يتم تشتت الألوان الزرقاء، مما يترك الضوء الأحمر والبرتقالي ليتم عكسه على القمر، فيظهر حينها بلون شبيه باللون الدموي، وهذه الظاهرة تعكس نفس القاعدة التي تجعل السماء تتلون باللون الأحمر عند شروق الشمس أو غروبها.
لا يُعتبر خسوف القمر مجرد عرض بصري بل هو فرصة علمية قيمة، حيث يُمكن للعلماء من خلاله دراسة الغلاف الجوي للأرض عبر تحليل الضوء المنكسر، بالإضافة إلى أنه يساعد في تحديد مدار القمر بدقة، كما يشكل أداة تعليمية متميزة في علوم الفلك تستقطب اهتمام العامة، حيث إن هذه الظاهرة متاحة للرؤية بالعين المجردة.
يتميز خسوف القمر بأنه آمن للمشاهدة، فهو لا يتطلب أي أدوات خاصة لحماية العين، فرؤية الظاهرة بالعين المجردة كافية، ولكن استخدام المناظير أو التلسكوبات سيمكن من الحصول على تفاصيل دقيقة لسطح القمر ومراحله المختلفة، وهو ما يُعزز من التجربة الفلكية للمهتمين بهذا المجال.
لفترة طويلة، كان الخسوف محاطًا بالخرافات حيث ارتبط بمعتقدات شعوب مثل الصين، والتي ربطت حدث الخسوف بأسطورة عن تنين يُبتلع القمر، ومع مرور الوقت، أصبح الخسوف حدثاً يجمع بين المظاهر الاجتماعية والعلمية، حيث يتجمع الناس لمشاهدة هذه الظاهرة في مراصد أو فعّاليات فلكية.
خسوف القمر يحدث بمعدل يتراوح بين مرتين إلى خمس مرات سنويًا، لكن ليس جميعها يحدث بشكل كلي، وعادةً ما يختلف ما يمكن رؤيته حسب الموقع الجغرافي، فقد يُشاهد كاملاً في قارة معينة بينما قد يغيب عن أخرى، مما يضفي طابعاً خاصًا على كل حدث خسوف يتكرر بصورة دورية.
تعليقات