محمد عبد الرحمن يكتب: خالد النبوى وتأثيره على السينما المصرية الحديثة
فى قلب معبد الأقصر وأمام الأعمدة التي تحمل تاريخ آلاف السنين ظهر خالد النبوى على خشبة مسرح مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الرابعة عشرة ليُكرّم عن مشواره الفني الذي انطلق من القاهرة إلى هوليود وقدّم بصمة مختلفة في السينما المصرية والعالمية وبابتسامة مميزة حيّا الجمهور وأشاد بنجاح ابنه نور الذي حقق إيرادات تجاوزت المئة مليون جنيه في فيلمه الحريفة وأكد فخره به بينما أشار إلى استعداده للعودة إلى التحديات الجديدة.
الذهب لا يصدأ مهما تراكم عليه غبار السنوات وخالد النبوي هو أحد الفنانين الذين يزداد ألقهم مع مرور الوقت نجوميته تتجدد وقادر على إبهار الجمهور دوماً فهو ممثل فريد تميز بحضوره القوي وإحساسه المرهف وصوته المعبر المليء بالنبرات المميزة وقدراته العقلية وفكره المثقف جعلت منه شخصا متكاملا فهو مزيج بين الموهبة الفنية والشخصية المؤثرة التي يتمنى كل فنان أن يكون عليها.
خالد النبوي ليس له شبيه فقد خلق لنفسه طريقة فنية مميزة ينسج بها روح كل شخصية ومن خلال أدواره جسّد بصدق صراعات النفس البشرية واستخدم أدواته بكفاءة ليكون بمثابة “جوكر” سينمائي يبرز تجارب مختلف الشخصيات وبأسلوبه الفريد أداها ببراعة ممّا جعل الجمهور يتفاعل معها فهو قادر على إقناع المشاهد بأي دور يتقمصه كما أن جاذبيته وتميزه يعكسان نضجه الفني.
خالد النبوي لم يكتفِ بموهبته الفطرية بل عززها بالدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية وبثقافة استثنائية ولدّت فنانًا يستوعب عمق الشخصيات التي يجسدها وإدراكه للأبعاد الاجتماعية والسياسية جعلت من اختياراته الفنية تعكس وعيه الكبير وهو بذلك يقف أمام حقيقة أنه فنان متعدد القدرات جمع بين مختلف الأصناف الفنية وجاءت أدواره كحدود وسط مسار طويل من التجارب.
ظهور خالد النبوي كان بداية من أدوار صغيرة في أعمال مثل “بيت أزياء ماما” وأول أفلامه كانت “ليلة عسل” وفي فيلم “المواطن مصري” عمل مع مُعلمه الكبير صلاح أبو سيف الذي تنبأ بموهبته وقادته لمخرج عالمي مثل يوسف شاهين الذي ساهم في انطلاقة نجوميته بعناية ودقة وقدّم له أدوار بارزة جعلته يتألق بين نجوم جيله.
امتلك خالد النبوي من البداية قدرة على الابتكار والمغامرة الفنية وهذا ظهر بشكل واضح في أول بطولاته في فيلم “المهاجر” حيث خاطب الواقع والشخصية بشكل عميق ودقيق بعد أن وُسعت آفاقه بالمعايشة الحقيقية للشخصية وبسط عليها روحاً فريدة تعكس شخصيته هو وقدراته كممثل تجعل تأثيره أكبر وأعمق على الجمهور.
خلال أدواره التاريخية لم يقع النبوي في فخ التقليد بل سعى جاهدًا لتقديم شخصيات معقدة ورغم التحديات التي واجهها كانت أهدافه فنية عميقة تتجاوز الحدود وقد اعتبر نفسه جزءًا من كل قصص العمل الفنى وهذا الوعي ظهر في تقديمه لأدوار تاريخية تجسد أهم الشخصيات المحورية بأسلوب جديد يعكس قناعاته كفنان مؤمن بقضايا المجتمع.
ورغم تحقيقه للنجاح في بداياته لم يغفل خالد أهمية تنوع الأدوار والتأثير الدرامي على المشاهد فقد رأيناه يتراجع إلى أدوار ثانوية أو جماعية ولكنه اختار شخصيات عالقة في أذهان الجماهير مما أضاف إلى سمعته الفنية مع أن هذه الخطوات أثرت على نجوميته فيما بعد والطريقة التي يتلقى بها الجمهور أعماله.
تمكن النبوي من تقديم الشخصية الإنسانية بعيوبها ومميزاتها مع القدرة على تصوير تعقيداتها وبطرق مبتكرة جعلت أعماله انتقائية ومنفتحة على التنوع في تقديم الشخصية الإنسانية وجميع مشاعرها وذلك في مسار يبرز قدرته على التلوين والتجدد الفكري محاولا دائماً ترك بصمة فنية واستمرار حضوره القوي على الساحة الفنية.
تظل السينما بالنسبة لخالد النبوي تحديًا خاصًا على الرغم من نجاحاته المتعددة، فقد قطع شوطًا كبيرًا في مجالات عدة ولكنه واجه صعوبة في تحقيق النجاح كما كان في بداياته ويشعر بأنه لا يزال بحاجة إلى دور ضخم يعيده إلى مكانته الطاغية على الشاشة الكبيرة وأعماله الحديثة ليست بمثل القوة السابقة.
فى ختام تأملاته ومسيرته الفنية، يظهر خالد النبوى كفنان يحمل جذوراً عميقة وارتباطًا بقيم فنية حية ودليل على أن التجريب والتجديد هما أساس نجاحه مع مرور الوقت وتكريمه في مهرجان الأقصر كان بمثابة شهادة على مشواره الطويل لذا يبقى خالد النبوي رمزًا للفن الذي يحمل هموم الناس ويعكس تجاربهم ومخاوفهم.
تعليقات