نغم الخلود: أثر بليغ حمدي في قلوبنا وعبر الزمن
تمر اليوم ذكرى ميلاد الموسيقار الكبير بليغ حمدي الرابعة والتسعين وهو واحد من أعظم أعمدة الموسيقى العربية والذي ترك وراءه إرثًا فنيًا خالدًا ونغمًا يظل في قلوب المحبين، لقد وُلد بليغ في القاهرة عام 1931 في أسرة تعشق الفن فتربى في بيئة مشجعة على الإبداع، وقد بدأ تعلم العود في طفولته ودرس الموسيقى في معهد فؤاد الأول ليبرز بعد ذلك موهبة استثنائية في التأليف الموسيقي وهو ما جذب الأنظار إليه في سن مبكرة.
كان بليغ حمدي مثالًا للملحن المتجدد الذي تجاوز القوالب التقليدية لكنه حافظ على الروح الشرقية، تعاون مع أبرز المطربين في الوطن العربي وبرزت ألحانه برفقة أم كلثوم التي قدمت أغنيات خالدة من ألحانه، ومن أبرز هذه الأغاني “أنساك” و”حب إيه” و”بعيد عنك” وقد حققت هذه الأعمال نجاحات كبيرة حيث كان بليغ أصغر ملحن تتعاون معه.
أيضًا أبدع بليغ مع عبد الحليم حافظ الذي أعطى لأعماله طابعًا خاصًا، فجاءت ألحانه مثل “سواح” و”زي الهوى” و”موعود” لتكون جزءًا من ذاكرة الوطن العربي الحي، وارتبطت هذه الألحان بأحاسيس الحب والسعادة والألم ترددت في أذهان الناس عبر الزمن، لقد كانت ألحان بليغ تمثل لهجة فنية تعكس مشاعر المجتمع.
لم تكن موسيقى بليغ حمدي مجرد نغمات جميلة بل كانت أيضًا تعبيرًا عن قضايا وطنية مهمة، ففي أعقاب نكسة 1967 أبدع لحن “عدى النهار” الذي أصبح رمزًا للأمل والألم في نفس الوقت، وفي أعقاب نصر أكتوبر بحضوره في أغاني وطنية مثل “البندقية اتكلمت” و”عاش اللي قال” روى حكايات الشعب وواقع أحداث تلك الحقبة.
عبر علاقة زواجه من الفنانة الراحلة وردة، قدّم بليغ مجموعة من أجمل الأغاني مثل “العيون السود” و”خليك هنا” مما أسهم في تعزيز مسيرتها الفنية، وقد شكلت هذه العلاقة الفنية علامة بارزة في تاريخ كل منهما حيث يعتبر بليغ هو الأكثر تعاوناً معها في أغانيها المميزة والتي لا تزال حية حتى اليوم.
يعتبر بليغ حمدي رمزًا فنيًا خالدًا إذ استطاع دمج البساطة بالعمق، وقد أثر في العديد من الأجيال وتبقى ألحانه تتجدد بأصوات الفنانين المعاصرين بصورة تعكس جمال الفن وقدرته على تجاوز الحدود الزمنية، في ذكرى رحيله نتذكر كيف أن الموسيقى الحقيقية لا تنتهي بل تبقى حية في قلوب الناس ولاستمرار تأثيرها كما عاش بليغ فينا.
كان بليغ حمدي من أبرز الملحنين في الزمن الذهبي للموسيقى العربية حيث تعاون مع عدد كبير من أبرز الفنانين مثل أم كلثوم ووردة وفايزة أحمد وشادية، وقد تميزت ألحانه بالسهولة والجاذبية والتنوع، وكان يُلقب بألقاب عديدة منها “ملك الموسيقى” و”لحن الشجن” ما يجعله جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى العربية، توفي في 12 سبتمبر 1993 عن عمر يناهز 62 عامًا وترك وراءه ثروة من الألحان التي تتنوع بين الرومانسية والوطنية وأغاني الأطفال والمناسبات الدينية.
تعليقات