error code: 524
ماذا لو كانت خوارزمية تعرف عنك أكثر مما تعرفه أنت؟ يتجلى هذا التساؤل في واقعنا المعاصر حيث أثبتت التطورات في الذكاء الاصطناعي أنها قادرة على تحليل نبرة صوتك لتحديد حالتك النفسية وقراءة تعابير وجهك لاستنتاج نواياك، وبجانب تتبع تفاعلاتك الرقمية لفهم ميولك ورغباتك، إن الإنسان أصبح محاطًا بعيون لا تنام تراقبه عن كثب، وتفكك خبايا شخصيته من دون أن يدرك ذلك، مما يطرح سؤالًا جوهريًا حول خصوصيته.
أصبح الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على جمع بيانات سطحية، بل يغوص في أعماق النفس البشرية لاستكشاف المشاعر والدوافع والأفكار، وسط هذا التحول التكنولوجي الكبير يبرز تساؤل: هل نحن على أعتاب ثورة معرفية تعيد تعريف سطح الخصوصية؟ أم أننا في طريقنا نحو فقد آخر مناطقنا الخفية، حيث لم يعد مفهوم الخصوصية مقتصرًا على البيانات التي نشاركها بل يمتد إلى ما لا يُفصح عنه من مشاعر ودوافع داخلية.
اليوم، الخصوصية لم تعد مسألة صور أو بيانات شخصية بل صارت تتعلق بجوانب أعمق داخل النفس البشرية، فالذكاء الاصطناعي لا يتعقب أعمالنا فقط بل يسعى لفهم أسبابها، وتمكن تقنيات تحليل المشاعر من الكاميرات الذكية وواجهات الاستخدام من تتبع تعابير الوجه ونبرة الصوت وإيقاع التنفس، مما يساعد في تقدير الحالة العاطفية للأفراد، سواء كانوا طلابًا أم موظفين، مما يعرض الخصوصية لتحديات جديدة.
تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الموارد البشرية والتعليم، حيث تلجأ الشركات مثل HireVue إلى تحليل تعابير وجه المتقدمين خلال المقابلات، مما يثير جدلًا حول إمكانية التمييز الخوارزمي، بينما أثيرت انتقادات واسعة في الصين بسبب استخدام برامج تشبه ذلك في المدارس لتتبع انتباه الطلاب، مما يبين كيف يُشكل الذكاء الاصطناعي تحولًا في فهم الخصوصية بمعناها الأوسع.
خطوة أخرى أكثر جدلًا هي محاولة الذكاء الاصطناعي لفهم الفكر، حيث تم الكشف عن نموذج قادر على “فك تشفير” الأفكار من إشارات الدماغ وتحويلها إلى نصوص، في تجربة من جامعة تكساس تمت باستخدام تقنيات تصوير الدماغ لتُظهر أن النظام كان يعيد بناء الأفكار المبهمة دون الحاجة للتعبير عنها بالكلمات، مما يطرح تساؤلات حول مدى التحكم في الجانب العقلي للإنسان ومخاطر ذلك على الخصوصية.
باحثون في اليابان طوروا نظامًا مماثلًا يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد صور عن ما يراه الشخص بناءً على نشاط دماغه، في مواجهة هذه الابتكارات يحذر خبراء الأخلاقيات من تحول هذه التطورات إلى أدوات لمراقبة الوعي ، مما يجعل الحذر ضرورة ملحة في التعامل مع هذه التقنيات وعدم تجاهل المخاوف المشروعة المرتبطة بها والتي قد تهدد خصوصية الأفراد.
مع تصاعد هذه التحديات ظهرت حاجة ملحة لوضع أطر قانونية تتناول استخدام الذكاء الاصطناعي، وقد تبنت جهات دولية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، قوانين تحول دون تجاوز هذه التقنيات للحدود الأخلاقية، بموجب قانون الذكاء الاصطناعي الذي يُصنف التطبيق وفق درجات خطورة مختلفة، مما يعكس حرصًا على الحفاظ على حقوق الأفراد رغم التطورات التكنولوجية السريعة.
هذه القوانين تعاقب استخدام الأنظمة التي تمارس أي شكل من أشكال المراقبة العاطفية أو الذهنية، وتلزم الشركات بالشفافية حول كيفية استخدام البيانات ، مما يسعى لحماية الأفراد من سوء الاستخدام، بل إن هناك غرامات كبيرة قد تُفرض على الشركات المخالفة تهدف إلى ضمان تطبيق قيم إنسانية في استخدام هذه التقنيات وطريقة تأثيرها على المجتمعات.
تعليقات