المقاومة الفلسطينية في السينما العربية: دراسة حالة هيام عباس
تعد الفنانة الفلسطينية هيام عباس واحدة من أبرز الأسماء في عالم السينما العربية والدولية وتجسد هويتها الوطنية والتراث الفلسطيني من خلال فنها وإبداعها، تعتبر هيام رمزاً لقوة الشعوب المقهورة حيث تمتلك القدرة على تقديم قضايا وطنها بطرق إنسانية وعميقة فاستطاعت أن تجمع بين التجارب الشخصية والتاريخ الجماعي للشعب الفلسطيني وبرزت في مجال الفن كممثلة ومخرجة تضفي جانباً إنسانياً على أعمالها الفنية التي تحمل رسائل قوية.
وُلِدت هيام عباس عام 1960 في الناصرة وبدأت دراستها في مجال التصوير والمسرح في القدس، وقد انتقلت لاحقاً إلى باريس حيث بدأت رحلتها في السينما العالمية، كان فيلم “حيفا” للمخرج رشيد مشهراوي نقطة انطلاق مهمة في مشوارها، حيث تُعد شخصية “أم سعيد” التي جسدتها تدشيناً جديداً للسينما الفلسطينية على الساحة الدولية وإبرازاً للواقع الفلسطيني المعاصر بأسلوب يمزج بين الإنسانية والواقعية.
ظهرت هيام في السينما المصرية من خلال تعاونها مع المخرج يسري نصر الله في أفلام “باب الشمس العودة” و”باب الشمس الرحيل”، حيث قدمت دور “أم يونس” تجسيدًا لمأساة الشعب الفلسطيني من حيث النكبة والتهجير، فنجحت في نقل الألم الفلسطيني للجمهور العربي بلغة مؤثرة وصادقة تعبر عن عمق التجربة الإنسانية بعيدًا عن الخطاب السياسي المباشر.
تتميز هيام بقدرتها على التنقل بين الثقافات والأجيال المختلفة في السينما العربية والعالمية، حيث تعاونت مع مخرجين بارزين مثل إيليا سليمان وهاني أبو أسعد، كما شاركت في أفلام عالمية مثل “ميونيخ” و”الزائر” مما أضاف إلى رصيدها وفتح لها أبواب الشهرة والنجاح، هي شخصية محورية في تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني وتأكيد أهمية الفن كوسيلة لتعزيز الهوية.
تتجاوز هيام مجرد أداء الأدوار إلى الرغبة العميقة في استخدام الفن كأداة للمقاومة إذ تؤمن بقوة السينما في حفظ الذاكرة الجماعية والتعبير عن واقع شعوب مغتربة، وقد قامت بإخراج أفلام قصيرة قبل عرضها الفيلم الطويل “إرث” عام 2012، والذي طرح قضايا الهوية والانتماء بأسلوب بصري مؤثر عبر قصة شخصية تجعل المشاهد يتصل بروح التجربة الفلسطينية.
في الفيلم الوثائقي “وداعا طبريا” الذي أخرجته ابنتها لينا سويلم، تجلى الجانب الإنساني في حياة هيام، حيث تعكس الرحلة من بحيرة طبريا إلى المنفى، كما يظهر الفيلم تاريخ النفي والتهجير والذكريات المؤلمة التي تحملها النساء الفلسطينيات في قلوبهن، يُعد هذا العمل شهادة حية تبرز قوة المرأة الفلسطينية وقدرتها على التحمل والصمود رغم قسوة الظروف.
تماهت هيام عباس مع القضية الفلسطينية بصورة عميقة، فهي تؤمن بأن الفنان لا يجب أن يُقيّد برؤية معينة بل يمتلك حرية التعبير والتي تلعب دوراً في تشكيل الرأي العام، تستمد منهج عملها من تجاربها الشخصية لخلق أعمال فنية تعكس واقع الوجود الفلسطيني وتقدم رسائل جمالية وإنسانية للجمهور.
تعاونت هيام مع كبار الفنانين والمخرجين، من بينهم ستيفن سبيلبرغ، ما جعل لها رؤية فنية شاملة حول دور الفن في المجتمع، وهي تدعو دائماً لضرورة الاعتناء بالذاكرة الإنسانية من خلال الأعمال الفنية، كانت تجاربها الغنية دليلاً على أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للنضال والحفاظ على التراث، لذا، تبقى هيام عباس شعلة مضيئة في بيئة فنية تبحث عن الحقائق والتراث بكل صدق.
تعليقات