مبدأ قضائي مبتكر من مجلس الدولة بشأن استخدام الموظفين لمواقع التواصل الاجتماعي
في حكم قضائي جدير بالاهتمام أصدرت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة مبدأً قانونيًا جديدًا يخص استخدام الموظفين العموميين لمواقع التواصل الاجتماعي، أشارت المحكمة إلى أن مجرد وجود حساب أو نشر أي منشورات لا يُعتبر جريمة تأديبية، إلا في حال ثبوت الإساءة أو التشهير بدليل رقمي قاطع، وهذا يعطي غطاءً قانونيًا لحماية حق الموظفين في التعبير عن آرائهم، مما يعكس تطورًا في الفكر القانوني المتعلق بحرية التعبير في العصر الرقمي.
جاء ذلك القرار خلال حكمها الذي ألغت فيه قرار خصم عشرة أيام من راتب موظف بمصلحة الضرائب، حيث زعمت الجهة الإدارية أنه أساء إلى قيادات المصلحة عبر منشورات في موقع فيس بوك، وهذا يعيد إلى الواجهة نقاشًا حول حدود مسؤولية الموظف في استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، كما يطرح تساؤلات عن كيفية فهم القانون في سياق التغيرات التكنولوجية المتسارعة وتأثيرها على الحياة الوظيفية.
وفي حيثيات الحكم، أوضحت المحكمة أن القرار الإداري تم اتخاذه على نحو يخالف مبادئ العدالة والمحاكمة المنصفة، إذ غابت الأدلة الرقمية التي تثبت ملكية الموظف للحساب المتعلق بالاتهام وارتباطه بالمحتوى محل الشكوى، وهذا يشير إلى ضرورة وجود أدلة واضحة عند اتخاذ إجراء تأديبي ضد أي موظف، وهو ما يعكس أهمية الدقة في التعامل مع المعلومات المتاحة على الإنترنت.
على ضوء ذلك، أكدت المحكمة أن القانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات يشترط وجود دليل فني واضح يثبت الإساءة أو التشهير، وبالتالي فإن الصور المطبوعة للمنشورات المنسوبة لا تكفي لإثبات ارتكاب الموظف للمخالفة التأديبية، وهذا يتطلب وضع إطار قانوني يوازن بين الحفاظ على حقوق الموظف والمصلحة العامة.
كما ذكرت المحكمة أن إغفال الجهة المعنية لتتبع الطلب الفني الخاص بحساب الموظف وعدم توفر الأدلة اللازمة يؤكد قصورًا كبيرًا في عملية التحقيق، مما ينعكس سلبًا على مصداقية الإجراءات التأديبية المتخذة، وبالتالي يكون من الضروري إرساء معايير واضحة لإجراء التحقيقات.
ختامًا، قضت المحكمة بإلغاء قرار الجزاء وما ترتب عليه، مشددة على أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لا يجب اعتباره مخالفة في حد ذاته، إلا إذا ثبت استخدامه بصورة تسيء أو تروج للتشهير، مما يمثل سابقة مهمة في مجال حقوق الموظفين في التعبير عن أنفسهم في إطار القانون، وهو ما ينبغي أن يراعيه جميع الأطراف المعنية في المستقبل.
تعليقات